- 175 views
الاجابة
السؤال:
بتوجيه كريم منكم حول موضوع القدوة وأثرها في الدعوة إلى الله عز وجل؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أيها المستمعون الكرام
السلام عليكم ورحمته الله وبركاته...
من المعلوم في شريعتنا الإسلامية أن الدعوة إلى الله هي المهمة الكبرى
لهذا الإنسان في هذه الدنيا (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) ورسولنا صلى الله عليه وسلم قد أمر بالدعوة
على البصيرة، والدعوةُ إلى الله سبحانه وتعالى تعتمد كثيراً على القدوة الصالحة،
سواء أن كانت من الأنبياء والمرسلين أم كانت من العلماء الصالحين في كل جيل وفي كل
أمة، و ترجع أهمية القدوة بين المسلمين إلى عدة أمور أهمها :-
1-
أن النفوس البشرية من طبيعتها
أن تتأثر بمشاهدة المثال الحي محاكاة وتقليدا سواء كان ذلك عن قصد أو غير قصد، كل
ذلك نرى ونشاهد أنه أكثر إفادة من التوجيه والتعليم المباشر.
2-
أن وجود القدوة في الواقع
الذي يعيشه الناس يرسخُ مبدأ إمكانية الوصول إلى أعلى الفضائل وخصال الخير وأن من
أجتهد وسعى إلى أدركها، فسوف يصل إليها بإذن الله، فهي ليست من الأمور المستحيلة.
3-
أن تأثير القدوة ينسحبوا على
جميع طبقات الناس سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، صغاراً أو كباراً عامة أو متعلمين،
بل ومسلمين وغير مسلمين، ذلك أن الرؤية للمثال الواقعي يستوي في فهمه جميع هؤلاء،
فتكون الدعوةُ بالقدوة هذه أسلوب فعال لإيصال المعلومة ولإيصال الحكم الشرعي إلى الناس.
4-
مشاهدة القدوةِ متمثلة في الواقع
يزيد من الاقتناع بصحة مبادئ الإسلام ويربي النفوس على الثبات عليها والصبر على التمسك
بها ما أمدى ذلك في أحوال الناس لأن بعض الناس يستصعب هذا الحكم أو ذاك أو هذا
الواجب أو ذاك، ولكنهُ لما يرى أنه متمثل في أناس يرى أن تفكيره أو يبين له أن تفكيره
في استحالة ذلك تفكير خطأ.
صفات القدوة:
لابد للقدوة حتى تكون مؤثرةً في دعوة الناس قولاً أو فعل، أن يتحلى
صحابها بصفات أهمها:
1-
العلم و البصيرة فيما يقول ويفعل ويبنى ذلك كلها على كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك ليكون على يقين وبرهان من صحة ماهو عليه أعتقاد
قولاً وعمالا، و ليزن أقوال الناس وسلوكهم ويقومها بالميزان الصحيح قال الله تعالى
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ
الْمُشْرِكِينَ).
2-
الإخلاص لله وهو شرط لكل عمل
يعمله الإنسان كما لا يخفى ولكن هو في حق المبتدى به في دينه وعلمه وخلقه مهماً
جدا إذا مع الخلاص يبارك الله في عمل الإنسان ولو كان قليلا.
3-
مطابقة القول للعمل، فالقدوة
يجب أن يكون أول الناس فعلا للخير إذا أمر به، وأول الناسِ بعداً عن الشر إذا نهى عنه، ولذا صار مخالفة
قول العبد لفعلة من أكبر المقت عند الله، قال سبحانه (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً
عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) و يقول سبحانه (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ
وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) و جاء في الصحيحين من
حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي
النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بها كَمَا يَدُورُ
الْحِمَارُ فِي الرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ:
يافُلانُ مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ
الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ،
وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ).
4-
البعد عن مواطن الريب والشبهات، القدوة ينبغي له أن يبتعد عن مواقع
الشبهات والريب لكي لا يتهم في دينه وسلوكه وإذا اتفقا له أن حصل ما يثير شيئا من
ذلك فعليه المبادرة لكشف الشبه وإيضاح الحقيقة، فقد جاء في معنى ذلك ما ثبت في
صحيحين عن صفية رضي الله عنها قالت(كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ
لَيْلا، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ
مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ، فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا
رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ " .
فَقَالا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " إِنَّ
الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ
يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا " أَوْ قَالَ : " شَيْئًا (" .
5-
الحرص على التحلي بالأخلاق
الحسنة والخصال الحميدة وتأثير ذلك في معاملة الناس ظاهر وبين، فالناس بطبيعتهم يميلون
إلى ذوي الأخلاق الحسنة وينفرون من ذوي الأخلاق السيئة، والقدوة مطلوب منهم أن
يؤثر في الناس في الخير ومن وسائل ذلك حسن الخلاق وذلك يشمل أمور عديدة من أنواع الأخلاق
كالصدقِ والأمانة والرحمةِ والشفقةِ والإحسان والكرمِ والعفة والرفق والتواضع
وجميع ذلك كان في قدوتنا العظمى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أثنى عليه ربه جل وعلى
بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ولما
سئلت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت(كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ) أخرجه مسلم في صحيحة، فينبغي
لكل الإنسان أن يصبوا إلى مقام القدوة أن ترسم هدي صلى الله عليه وسلم، وخلقه ويأخذ
منهُ و يقتبس ما أستطاع فخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، هدانا الله
أجمعين للقيام بالدعوة إليه سبحانه فإن ذلك أحسن وظيفة يقوم بها المسلم بعد عقيدة
التوحيد.
نفعني الله وإليكم بما سمعنا أنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحابه أجمعين.