الاجابة

المقدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيَّاكم الله إلى لقاءٍ جديد من برنامج نورٌ على الدرب.  في حلقة هذا اليوم يسرنا أن نعرض أسئلتكم  على ضيفنا الكريم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإمام وخطيب جامع الإمام تركي بن عبد الله في مدينة الرياض السلام عليكم يا شيخ عبد العزيز الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. السؤال: أُبتليت المجتمعات المسلمة بفتنة التكفير، من قبل بعض المجموعات المتدينة خاصةً الشباب، وأضحت فتنة التكفير من أخطر الفتن التي تُحيق بالمجتمعات المسلمة وتهدد أمنها، ما علاج ظاهرة التكفير؟ الجواب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللهُم صَلِ وَسَّلِمْ وَبَارِكَ عَلَى عَبْدِك وَرَسُولِك مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِ وصَحْابِتهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، وبعد.  فإن أعظم نعمة أنعم الله بها على عبدٍ من عباده أن هداه للإسلام، (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ). هذا الدين الإسلامي الحنيف يدخل المسلم فيه إذا شهد: " أَنْ لا إِلهَ إِلاّ الله وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله"، هذه يدخل بها في الإسلام، إذا نطق بالتوحيد دخل بها في الإسلام، هذا الدين يعصم له دمه وماله وعِرضْهُ، يَقُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»، فإذا نطق بالتوحيد ولم يأتي بما يضاده وحافظ على الصلوات الخمس، وأركان الإسلام فهو المسلم حقا وهو المؤمن حقا، وإن كان يقع منه خطأ أو مخالفات، مادام العقيدة سليمةً وأداء الواجبات سليمًا والبعد عن المحرمات جيدًا، فما سوى ذلك فقد يقع في أخطاء أما عن جهلٍ أو خطأ قد يقع في ذلك، فالواجب أن نعالج القضية مع أخواننا فنبصرَّهم ونفهمهم، ما هو الذي يُخرج الإنسان من دينه؟ أمَّا مجرد الآراء والأفكار وعدم الموافقة فلا يجب أن نكفِرَّهم بهذا؛ لا بد أن نسمع منهم؛ ما أسباب هذا التكفير؟ هل من كفرته عبد وثنا؟ هل كفر بالله؟ هل أنكر رَسُول اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟، هل أنكر البعث؟،هل عطَّل الصلاة والصيام والحجَّ والزكاة؟ فإن كان شيء من ذلك عُولج. أمَّا إن كان التكفير واقع لمجرد اختلاف الرأي وله رأيٌ ولهم رأي ويريد أن يفرض رأيه على الآخرين بأن يحكم بالكفر والتبديع والتفسيق على من خالف رأيه هذا خطأ! لأن التكفير والتبديع والتفسيق أمورٌ شرعية لا يتكلم فيه إلاَّ طلاب العلم الذين يعلمون الحق من الباطل، ويميزون بين الحق والضلال، ويعلمون ما هو المناقضٌ للإسلام ممن ليس بناقضه؛ فيجب الحذر من ذلك. ولهذا لما أُبتلى المسلمون بالخوارج في آخر خلافة عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وأوائل خلافة عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أُبتلى المسلمون بهؤلاء الشبيبة، الذي قال فيهم النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ»،   « تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعِبَادَتَكُمْ مَعَ عِبَادَتِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، ذلك بأنهم هجروا الصحابة ولم يأخذوا بآراء الصحابة وفهمهم للكتاب والسُنَّة وأدعوا علمهم بشيءٍ ما علمه الصحابة، فكفروا من خالفهم واستحلوا دمه وماله، كأنه يغدو نصراني لا دين له ولا عهد له، وهذا يا أخواني من الخطأ ومن العمل السيء، فالواجب على المسلم أن يتقى الله في نفسه وأن لا يُطلق الكفر إلاَّ بعد التحقق، يقولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» أي رجع بها أحدهما. وقال: « مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كافِرُ» أو « يَا عَدُوَّ اللَّهِ» إلى آخر الحديث.  فنسبة المسلم إلى الكفر أو لعدواة الله لا يتم إلاَّ بعد أن يتقن أنه أخلَّ بركن من أركان الإسلام، وأنك دعوته وعالجته ووضحت الحق له وأقمت الحُجة عليه، أمَّا مجرد الإختلاف معك فلا يجوز أن تكفرَّه ولا أن تبدعه ولا أن تفسقه، بل قف عند حد وأسأل الله الثبات، وفي الحديث: « إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ»، من كفرَّ الناس بغير ذنب؛ يوشك أن يُرجع الأمر ويخرج من الإسلام من حيث لا يشعر. فإن تكفير المسلم خطيئة كبيرة وذنب، ولهذا قال النَّبِيِّ: « فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» أو قال: « إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ»، يقول يا عدو الله يا كافر إلاَّ كذلك حارَّ عليه أي رجع عليه، وصار هذا المُكفر يكفر بعد ذلك عقوبة من الله عليه. فيا أخواني: أتقوا الله في أنفسكم وعلينا وعلى جمع كلمتنا وشبابنا على الخير والهدى، وأن نحذَّر من مزلاق الأمور، وأن نبتعد عن الفتن التي لا خير فيها، من التكفير والتفسيق فإنها آراء شاطة ضالة يتحدث بها من لا علم عنده ولابصيرة عنده فيكفر ويبدع برأيه وهواه، وهذا التكفير والتبديع والتفسيق يكون على ضوء الكتاب والسُنَّة، من خالف الكتاب والسُنَّة فهو مبتدع على قدر مخالفته، أمَّا إن نكفره بمجرد معصية عصاها  فهذا مذهب الخوارج، يكفرون بمجرد الذنوب والخطايا، وينكرون شفاعة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويحكمون على من خالف ولو بذنب صغير أنه كافروأنه مُخلد في النار، ويستبيحون ماله ودمه وعِرضه وهذا كله خطأ فلنتق الله ولا نقدم على الأمور إلا بعد علم، المهم أنها تنمي بالدعوة إلى الله، واصلاح ذي الشأن وتبين الخطأ والدعوة بحكمة وبصيرة هذا ما نهتم به، أما أن نهتم بالتكفير والتبديع والتفسيق ونهمل جانب التوجيه والتربية والدعوة، هذا خطأ منا ينبغي أن ننتبه لذلك.

116 views