الاجابة
مقدَّم الحلقة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلَام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أخوة الإيمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطيَّب الله أوقاتكم بكلِّ خير، نحييكم في مستهل هذا اللقاء من برنامج (نورٌ على الدرب)، الذي يجمعنا بضيف البرنامج سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، المفتي العام المملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء، وإمام وخطيب جامع الإمام تركي بن عبد الله في وسط مدينة الرياض. السلام عليكم يا شيخ عبد العزيز الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . مقدَّم الحلقة: حياكم الله وبارك فيكم، نسأل الله ان ينفعنا جميعًا بما نسمع. السؤال: خصلة كريمة من خصال الإيمان وخلقٌ عظيمٌ من أخلاق الإسلام: الوفاء بالعهد، بل هو خلقٌ من أخلاق القرآن، وخلقٌ نبويٌ كريم، قال اللهُ -تَعَالَى-: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً)، هذا الخلق ضاع بين بعض المسلمين، إلَّا من رحم رَبِّي هل من توجيه سماحة الشيخ؟ الجواب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ وصَحْابِتهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَابِعينَ وتَابِعِيهِم بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ. وبَعْد، نعم الوفاء بالعهد خلقٌ كريم، وخصلةٌ جميلةٌ، عملٌ صالح، هو صفة من صفات ربنا -جَلَا وَعَلا- خلقٌ نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ-: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ)، ويقول عن نبيه  (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فكان من خلقه الوفاء، واللهُ جَلَّ وَعَلاَ- يقول لنا: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسئُولاً)، هذا العهد شاملٌ لما بيننا وبين ربنا، وما بيننا وبين أهلينا وما بيننا وبين أصحابنا وما بين المسلمين جميعًا، حتى بين المسلمين وأعدائهم، نوفي بالعهد (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسئُولاً)، فيما بين المسلمين يوفون بالعهود التي إلتزموا بها، والعقود التي أبرموها بينهم يوفون بها ويؤدنها على الوجه المطلوب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). يقول الحافظ بن جرير -رحمه الله- قال في (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) العهد بين المسلمين وبين أعدائهم، يجب أن يوفوا به ويلتزموه، وكذلك العهد الذي بينهم في البيوع والإيجارات وسائر العقود، يجب أن يلتزموا بها وأن يؤدها على الوجه الأكمل. والله -جَلَّ وَعَلاَ- يقول: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ)، ويقول -جَلَّ وَعَلاَ- في دعاء المؤمنين: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)، فالله -جَلَّ وَعَلاَ- يفي بوعده، وأن وعده حقًا، ولابد منه. (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ). وللأسف الشديد أن هذا الخلق ضعُف عند كثير من أبناء المسلمين، إما ضعُف كله أو معظمه، وقلَّ الوفاء لذلك، أن أعظم نلتزمه هو ما أخذه الله علينا في صلب أبينا أدم: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا). فالله أخذ الميثاق علينا في صلب أبينا أدم أن نعبده وحده لا شريك له، وأن نُحلص الدين له، قال -تَعَالَى-: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)، «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ». إن للوفاء بالعهد فضائل عظيمة؛ فمن فضائله: أنه -كما سبق- من صفات ربنا -جَلَّ وَعَلاَ- فهو لا يخلف الميعاد، وأخبرنا بذلك. ومنها: أن الوفاء بالعهد خلقٌ الأنبياء -عَلَيْهِم السَّلَامُ- ويقول اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ-: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)، أي وفى بالعهد، ويقول عن اسماعيل عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبيّاً) الآية. والوفاء بالعهد من أخلاق أهل الإيمان، ويقول اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ-: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) إلى أن قال: (أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). والوفاء بالعهد يا أخواني: خلق الصابرين الصادقين، (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمتَّقُونَ)، والوفاء بالعهد خلق ذو الألباب كما قال اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ-:(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ). والوفاء بالعهد ينال به الموفون بعهدهم الأجر العظيم، قال -جَلَّ وَعَلاَ-: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). هو سببٌ لدخول الجنة: كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ  اُصْدُقُوا إذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إذَا اُؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» فعلينا جميعًا أن نلتزم بالعهد وأن نوفي به فيما بيننا وبين ربنَّا وفي التعامل مع عباد الله، فنوفي بالديون التي في ذمتنا ونُسدَّد ما علينا من حقوق للآخرين، لأن إعطاء الحقوق لأهلها من الوفاء بالعهد، قال النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فمَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ». والنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حذَّر من الدَّين أولًا واستعاذ منه فقال:       «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» وكان يمتنع من الصلاة على من كان عليه دينٌ حتى يسدَّد الدين عنه، أو يضمن ذلك الدَّين حرصًا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على القيام بالحقوق وتنفيذها. كذلك الوفاء بالشروط بين الزوجين التي وُضعت عند إبرام عقد النكاح، فيجب على الزوجة وعلى الزوج الوفاء بتلك الشروط، يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ: مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»، وما بين الزوجين من معاملة ووفاء يجب أن يوفي كل صاحب حق، يقول اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ-:(وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ). يجب على أرباب العمل أن يسدَّدوا للعمال أجورهم وحقوقهم، فلا يؤخروها ولا ينقصوا شيئًا، ولا يضغطوا عليهم ليتنازلوا عن حقوقهم، لأن الواجب هو الصدق في ذلك، يقولُ يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ». ويقولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ-: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ» هؤلاء خصمهم ربُّ العالمين يوم القيامة، على العامل أن يؤدي وظيفته بإخلاص من غيرغشٍ ولا خيانة، «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» «رَحِمَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلا وَأَتْقَنَهُ». أن الواجب علينا الوفاء بما بايعنا أئمتنا وقادتنا الذين بايعنهم على كتاب الله وسُنَّةِ رَسُولِه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والسمع والطاعة بالمعروف، يجب أن نوفي بهذه البيعة،أوان ندافع عنها، وأن نعتقد أنها بيعةٌ إسلاميةٌ شرعيَّةٌ على كتابِ ربّنا، وسنَّة نَّبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يجوز الخروج عليهم، ولا تأليب الناس ضدَّهم، ولا البحث عن المساوئ والأخطاء، بل يجب أن نسعى في تأليف القلوب، وجمع الكلمة، وإيصال كلمة النُّصح والتَّوجيه بالطُّرق السَّليمة، التي نُحقِّق بها الهدف، دون أن يكون هناك فوضى، ودون إشعال الفتن، ولهذا يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ». وحذَّرنا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أن يكون هدف البيعة مصالح الدنيا، يقولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا». وعلى وليِّ أمر الأُمَّة أن يسعى في الإصلاح، والتوجيه، ورعاية الرَّعيَّة، والشَّفقةِ عليهم، وبذل الجهد في تأمين معيشتهم، وإصلاح شأنهم، وفَّق الله الجميع لما يحبُّهُ ويرضاه. وعلى المسلم أيضًا، أن يلتزم بالنذر الذي التزمه إذا كان طاعةً لله، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْه، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلا يَعْصِهِ». والله مدح (المؤمنين بقوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً)، فعلى المسلم،  وكلِّ مسئولٍ في الأمة أن يوفي بالعهد، فإن مسئوليتة التي أقسم عليها والتزم بها، يجب أن يوفِي بهذا العهد، وأن يتقي الله، ويعلم أن الله سائله عن مسئوليته، هل فرَّط فيها، أم أدَّاها على الوجه المطلوب.   وعلى المسلم أيضًا أن يُحافظ على المُعاهدين، وأهل الذمة الذين دخلوا بالأمان، ولا يخدعهم، بل يحترم أموالهم، ودماءهم، وأعراضهم، من قتل مُعاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وعلى كل من عُهد إليه بمشروع من مشاريع الأمة، ومصلحة من مصالح الأمة، أن يُؤديها، وينفذها بصدقٍ وأمانةٍ وإخلاص، طاعةً لله، ووفاءً للعهد، أسأل الله أن يوفقنا جميعًا بالالتزام بالعهد الذي عُهد إلينا، وأن يقوم كلٌ منا بما طُلب منه، بإخلاصٍ وصدق، وصلى الله على محمد.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                             
42 views